الفجر الجديد

ضريبة القيمة المضافة في لبنان: عبء على الفقير أم رافعة لإنقاذ الدولة

ضريبة القيمة المضافة في لبنان: عبء على الفقير أم رافعة لإنقاذ الدولة؟

خاص الفجر الجديد

بقلم الاعلامية لبنى عويضة

منذ أكثر من عقدين، دخلت ضريبة القيمة المضافة (VAT) إلى النظام الضريبي اللبناني كأداة لتوسيع قاعدة الإيرادات وتحديث المالية العامة. حينها، رُفعت الآمال بأن تصبح خطوة نحو العدالة الضريبية وزيادة دخل الدولة.
لكن بين النظرية والتطبيق، ضاعت الفكرة. اليوم، في بلد يترنّح تحت أزماته، تحوّلت هذه الضريبة من وسيلة للتنمية إلى عبء إضافي على كاهل المواطنين.

ضريبة على من لا يملك أن يستهلك

الفكرة الأصلية بسيطة: يدفع المستهلك نسبة محددة من ثمن ما يشتريه، فتستفيد الدولة من إيرادات مستقرة.
لكن في لبنان، حيث فقدت الليرة قيمتها وتآكلت القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، صارت الضريبة تُفرض على الحاجات الأساسية لا على الكماليات. المواطن الذي بالكاد يؤمّن خبزه ودواءه يُعامَل كمصدر تمويل للدولة، بينما الطبقات الميسورة تحمي نفسها بالاستثناءات وبالقدرة على المراوغة.

عدالة ضريبية معلّقة

تتباهى الحكومات المتعاقبة بأن لبنان يعتمد واحدة من أعلى نسب ضريبة القيمة المضافة في المنطقة، لكنها تتجاهل أن المردود الفعلي ضعيف بسبب اختلالات بنيوية: القطاعات الكبرى—العقارية والمصرفية والتجارية—تتفادى الرقابة، في حين يدفع المواطن العادي فاتورته كاملة. تتحول الضريبة بذلك إلى عقوبة للفئات الأضعف بدل أن تكون أداة توازن اقتصادي واجتماعي.

ضريبة منزوعة الجدوى

في الاقتصادات المستقرة، تُعتبر ضريبة القيمة المضافة وسيلة عادلة نسبيًا لتأمين موارد الدولة. أما في لبنان، فهي أشبه بجباية بلا مردود: كل ارتفاع في الأسعار يعني زيادة إضافية في الضريبة، بينما تتآكل قيمتها الحقيقية مع انهيار العملة. النتيجة أن الدولة لا تكسب أكثر، والمواطن يخسر أكثر.

الموازنة المنتظرة لعام 2026: وعود على ورق

تتجه الأنظار إلى الموازنة المنتظرة لعام 2026، التي يُفترض أن تكون موازنة “الإصلاح” بعد سنوات من الانهيار والتجريب. لكن المؤشرات الأولية لا توحي بتغيير جذري في النهج.
الخطاب الرسمي لا يزال يركّز على “زيادة الإيرادات” عبر الضرائب غير المباشرة، وعلى رأسها ضريبة القيمة المضافة، وكأن الحل المالي يُقاس بقدرة الدولة على الجباية لا بقدرتها على الإنتاج. أي موازنة مبنية على أرقام منفصلة عن الواقع المعيشي، من دون خطة واضحة لإحياء الاقتصاد أو ضبط الإنفاق العام، لن تكون سوى ترقيع جديد في ثوب مهترئ. لبنان لا يحتاج موازنة إضافية، بل رؤية مالية مختلفة تُعيد تعريف الأولويات: تخفيف العبء عن المواطن بدل تحميله كلفة الفشل المتراكم.

نحو إعادة نظر شاملة

الإصلاح لا يكون بزيادة الضرائب، بل بإعادة بناء المنظومة من أساسها. مطلوب نظام ضريبي يُحمّل القادر أكثر مما يُرهق العاجز، ويراعي التفاوت الطبقي بدل أن يكرّسه.
إعفاء السلع الأساسية، فرض ضرائب تصاعدية على الأرباح الكبرى، ضبط التهرّب، وترشيد الإنفاق العام… خطوات لا تكلف الدولة أكثر مما تكلفها الفوضى الحالية.

اذن، العدالة المالية ليست مسألة أرقام فحسب، بل مسألة ثقة. حين يشعر المواطن أن الدولة تنظر إليه كمصدر تمويل لا كشريك، تنهار العلاقة بينهما. ضريبة القيمة المضافة، كما تُطبّق اليوم في لبنان، ليست إصلاحًا، بل تذكيرًا يوميًا بانعدام العدالة في بلد يُطالِب مواطنيه بالتقشف، بينما يترك ثرواته خارج المساءلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى