خاص الفجر الجديد

بياناتك تُباع من دون علمك: من يحمي خصوصيتك في لبنان؟

بقلم المحامي د. داني جعجع

كل نقرة على هاتفك تترك أثراً. تطبيق يعرف موقعك، وآخر يسجّل اهتماماتك، وثالث يبيعها لشركات الإعلانات. المواطن اللبناني يعيش في عالم رقمي بلا حواجز، حيث تُجمع معلوماته وتُستخدم لأغراض تجارية أو سياسية من دون إذنه الفعلي. القانون يتحدّث عن حماية الخصوصية، لكن التنفيذ ضعيف، والنتيجة واضحة: البيانات تُستغلّ… والمواطن مغيَّب.

أولاً: ماذا يقول القانون عن بياناتك؟

القانون رقم 81/2018 المتعلّق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي يضع قاعدة أساسية: لا يجوز لأي جهة أن تجمع أو تعالج بياناتك الشخصية من دون موافقة مسبقة وصريحة منك، إلا في حالات محددة يجيزها القانون (تنفيذ عقد، التزام قانوني، مصلحة مشروعة ضمن حدود ضيقة). بمعنى بسيط، الأصل أنك أنت صاحب القرار، وأي استعمال خارج ما وافقت عليه قد يشكّل مخالفة يمكن ملاحقتها مدنياً وجزائياً متى توافرت شروط المسؤولية.

زر “I Agree”… أين الخطورة؟


المشكلة الأساسية أن أغلب الناس يضغطون “I Agree” أو “أوافق” من دون قراءة شيء. من وجهة نظر القانون، هذه الضغطة تُعتبر في كثير من الأحيان موافقة مكتوبة على سياسة الخصوصية وشروط الاستخدام: تسمح بجمع بياناتك، تخزينها، تحليلها، وأحياناً مشاركتها مع أطراف أخرى واستخدامها في الإعلانات الموجّهة. الشركات تستند إلى هذه الموافقة لتبرير المعالجة، حتى لو لم تكن تعلم فعلياً بمضمون الشروط أو لم تفهمها بالكامل.

متى يصبح الاستعمال غير قانوني رغم “I Agree”؟

حتى مع وجود موافقة، يبقى الاستعمال مخالفاً للقانون إذا:

استُخدمت بياناتك لغرض مختلف عن الغرض المذكور في سياسة الخصوصية،

سُرّبت أو أُفشيت لأطراف غير مذكورين أو غير مخوّلين قانوناً،

لم تُتخذ تدابير معقولة لحمايتها من الاختراق أو السرقة،

احتُفظ بها من دون مبرّر مشروع لمدة طويلة.

في هذه الحالات يمكن اعتبار المعالجة غير مشروعة، ويصبح من حقك المطالبة بالوقف والتعويض والمحاسبة.

ما هي خياراتك القانونية؟

أمامك ثلاثة مسارات أساسية:

1.    قاضي الأمور المستعجلة:

تلجأ إليه لطلب وقف التعدّي فوراً، كمنع شركة من الاستمرار في استغلال بياناتك أو إلزامها بحذفها أو التوقّف عن نشرها. هذا مسار سريع ووقائي، لكنه لا يفصل عادة في قيمة التعويض.

2.    دعوى مدنية للتعويض:

إذا لحق بك ضرر مادي أو معنوي، يمكنك رفع دعوى استناداً إلى قانون 81/2018 وقواعد المسؤولية التقصيرية في قانون الموجبات والعقود للمطالبة بتعويض عن الأذى الذي تعرّضت له، سواء تعلّق الأمر بالمال أو السمعة أو الحياة الخاصة.

3.    شكوى جزائية:

قانون 81/2018 يجيز الملاحقة الجزائية في حالات معيّنة، ولا سيما عند تسريب البيانات أو إفشائها لغير المأذون لهم، أو عند المعالجة المخالفة لأحكام باب حماية البيانات الشخصية. بعض هذه الجرائم لا تُلاحق إلا بناءً على شكوى من المتضرر، ما يجعل المبادرة الفردية أساساً لتحريك الملف.

ماذا لو كانت الجهة المخالِفة إدارة عامة؟

إذا كانت الجهة إدارة عامة أو بلدية، يطبَّق أيضاً قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017 وتعديله 233/2021، الذي يمنع كشف البيانات الشخصية بلا مسوّغ قانوني. في هذه الحالة يمكن التقدّم بشكوى إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتُطعن قراراتها أمام مجلس شورى الدولة وفق الأصول الموجزة. ورغم أن هذه الآلية ما زالت في طور الترسّخ العملي، إلا أنها تشكّل مدخلاً مهمًا لمحاسبة الإدارات العامة عند إساءة استعمال معلومات الناس.

الخلاصة: حماية بياناتك لا تتوقف على القوانين وحدها، بل تبدأ من وعيك قبل الضغط على “أوافق”، ومن استعدادك لاستخدام حقوقك وعدم السكوت عندما تُستغلّ معلوماتك خارج ما وافقت عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى