الباحث المغربي إبراهيم مشروح يقرأفي مشروع الفيلسوف طه عبدالرحمن الفكريّ


سلوى فاضل
الباحث مغربي والفيلسوف مغربي أيضًا. اجتمعت ميزتان في الكتاب الذي بين أيدينا، الصادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” لعام 2009 في طبعة أولى و2017 في طبعة ثانية، والكتاب عبارة عن قراءة في مشروع المفكر الإسلاميّ المغربيّ طه عبدالرحمن حيث يحاول الباحث إبراهيم مشروح أن يستعرض الأفكار والخطوط العامة للمفكر العربي عبدالرحمن في فصول عدة تصل إلى ستة مع خاتمة.
فمن هو طه عبدالرحمن؟
هو فيلسوف مغربيّ معاصر من أبرز المفكرين في العالم العربي والإسلامي في مجالات الفلسفة الأخلاقيّة، وفلسفة اللغة، والتجديد الديني. وقد وُلد في العام 1944، واشتُهر بكونه صاحب مشروع فلسفيّ يجمع بين الأصالة الإسلاميّة والحداثة الفلسفيّة. أما أبرز كتبه فهي: سؤال الأخلاق: مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، والحق العربي في الاختلاف الفلسفي، والحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، وروح الحداثة: مدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلاميّة. وعشرات المؤلفات باللغتين العربيّة والفرنسيّة والتي تربو على الـ13 مؤلفًا.
الفصول
الفصل الأول عبارة عن عرض لـ”نهج سيرة ومسار فكر”، والثاني بعنوان “المنعطف اللغوي المنطقي وسؤال الفكر”، والثالث بعنوان “العقلانية الموسعة وفلسفة التكوثر”، أما الرابع فبعنوان “الحقيقة والمنهج في تقويم التراث”، والخامس بعنوان “فقه الفلسفة وسؤال الإبداع”، والسادس “سؤال الحق ومشروعيّة الاختلاف”، ويختتم مشروح كتابه بقائمة مراجع ومصادر طويلة بلغات عدة.
تراجمة لا فلاسفة
يُعد طه عبدالرحمن كواحد من أصحاب المشاريع الفكريّة من الفلاسفة المُعاصرين، قدّم للفلسفة عددًا من الدراسات التي استحق جرائها شهرته وصيته. و”على ضوء هذا التقويم لهذا العلم أردنا أن يكون واحدًا من الأعلام الذين نعُالج مشاريعهم الفكريّة في هذه الفلسفة، حيث شكى من التقليد الذي تُعاني منه الفلسفة الإسلاميّة منذ أن بدأت بالأخذ عن اليونان إلى عصرنا هذا، فكثير من المؤلفين في الفلسفة بحسب تقدير طه عبدالرحمن هم تراجمة وليسوا فلاسفة”، بحسب المؤلف.
وما يحاول الباحث مشروح أن يستعرضه في نصّه هو الدعاوى الأساس المُثارة حول فكر ومنهج طه عبدالرحمن، ومنها: دعوته إلى تحرير العقل الفلسفي من التبعيّة والتقليد من أجل تحقيق الإبداع الفلسفي، وتأسيس حداثة عربيّة فلسفيّة إسلاميّة بناءًا على النقد الأخلاقيّ للحداثة الغربيّة، واللافت أنه أطلق مصطلح (المشروع الفكري الطاهائي) على البناء الفكريّ لـ”طه عبدالرحمن” ككل، وهو تعريف ضخم لمُفكر مُماثل.
المشروع اللغويّ الطاهائي
كما هي عادة المفكرين العرب أو المتحدثين بالعربيّة، يبدأ المشروع بوضع الأسس لمنهجهم الفكري بوضع بنية لغويّة مُعاصرة للدخول في البناء الفكري الفلسفي العام. وهو ما حاوله الفيلسوف اللبناني الراحل موسى وهبه حيث دعا دومًا إلى وضع أسس لغويّة للبناء الفكريّ العربيّ من خلال مشروعه (إمكان القول الفلسفي بالعربيّة)، وقد امتد طيلة عقود، وإن كان لم يجد مؤيدين كُثر له في عالمنا العربي نظرًا لتعدد المدارس العربيّة الفلسفيّة واختلاف الترجمات والاعتماد على الفكر الغربيّ تقليدًا وترجمةً. ربما هنا يلتقي كلّ من موسى وهبه وطه عبدالرحمن في الخط العام، وإن كانا مختلفين بالأدوات والهدف.
طه عبدالرحمن سعى للتجديد في المنهج من أجل فهم التراث الإسلامي فهمًا معاصرًا عبر ثلاث مُحددات، الأول هو التداوليّ، والثاني هو التداخليّ، والثالث هو التقريبيّ.
ابتدأ الباحث إبراهيم مشروح تشريحه لمنهج عبدالرحمن بـ”دعوى التخلّف الابداعيّ عن الانتاج الفلسفيّ العربيّ، وتنطلق هذه الدعوى من توصيف الاشتغال الفلسفيّ العربيّ بأنه اشتغال مُقلد لا تجديد فيه، وتابع لا إبداع فيه، إذ لم يدخل الفيلسوف العربي عهد الابداع والحداثة الفلسفيّة، فقصارى ما وصل إليه هو محاكاة المُتفلسف الغربي”. واستكملها بـ”دعوى النقد الأخلاقيّ، ودعوى وجوب تأسيس الحداثة الإسلاميّة، ودعوى الحق بالاختلاف”.
أهم أفكاره واتجاهاته:
المنهج الإئتماني
يبدو هذا المصطلح للوهلة الأولى أنه يتناول الجانب الإقتصاديّ الإسلامي، لكن يكتشف المتابع أن هذا المفهوم مهمته البحث في العلاقة بين الإنسان والعالم والتي تقوم على الأمانة والمسؤوليّة الأخلاقيّة، لا على الهيمنة والسيطرة كما هو الحال في الفكر الغربيّ الحديث. فالإنسان “مؤتمن” على ما يفعل ويُفكر، فلا “مالك” له.
نقد الحداثة الغربيّة
لا يرفض الفيلسوف العربي الإسلامي طه عبدالرحمن الحداثة، كما بعض المفكرين الإسلاميين، لكنه ينتقد نزعتها الماديّة والعقلانيّة المنفصلة عن الأخلاق. ويدعو إلى حداثة “إنسانويّة مؤمنة” نابعة من القيم الإسلاميّة، كبديل عن الإنموذج الغربيّ.
فلسفة اللغة والفكر
يُعطي عبدالرحمن اللغة مكانة خاصّة في التفكير الفلسفي، ويعتبر أن الفكر لا ينفصل عن اللغة التي يُصاغ بها. لذلك دعا إلى تجديد التفكير الفلسفيّ من داخل اللغة العربيّة، لا من خلال مفاهيم مستوردةأو أفاهيم، وهنا يلتقي مع المفكر الفيلسوف الراحل موسى وهبه بشكل كبير.
التكوثر
أما فكرة التكوثر لديه فتعني أن الحقائق متعددة ومُتكاثرة، وأن السعيّ إلى الحقيقة ليس امتلاكاً لها، بل تخلّقاً بها. وهي من مفاهيمه العميقة، فالحقيقة عنده مطلب أخلاقيّ بقدر ما هي مطلب معرفيّ.
الإبداع الأخلاقي
يرى أن الفلسفة الإسلاميّة يجب أن تعود إلى أصلها الأخلاقي، وأن الإبداع الحقيقي هو الإبداع القيميّ والسلوكي قبل أن يكون في النظريات.
ختامًا
وفي الختام، لا بد من القول إن الكتاب ليس بالسهل الدخول فيه والخروج أيضًا، هو كتاب بحثيّ معمق يصعب على غير المنخرطين بالفكر الفلسفي المتابعة أو الاندماج به، وهو مفيد جدًا بالوقت عينه لطلاب أقسام الفلسفة في الجامعات في البلاد العربيّة نظرًا لافتقاد العديد من الأقسام الفلسفيّة في جامعاتنا للأبحاث حول المُفكرين والفلاسفة العرب المُعاصرين. مع الإشارة إلى أن الباحثين الجُدد يدرسون كلّ من إبن رشد وإبن سينا والفارابي والرازيّ والغزاليّ وإبن عربي وغيرهم الكثير بعد أن تعمّق الغرب بأبحاثهم ودراساتهم وأعاد تصديرهم لنا من جديد بكتب بلغات الغرب.
ولا بد من التعليق على اختلاف الترجمات ما بين بيروت والقاهرة والرباط وتونس، فلكل عاصمة من هذه العواصم ترجماتها ومترجميها مما خلق ولا يزال يخلق اختلافات عميقة بفهم كتب الفلاسفة الغربيين سواء الحديثين أو المعاصرين.




