خاص الفجر الجديد

طيور الظلام في جمهورية الموز

بقلم نعمات أكومه

منذ سنوات طويلة وبالتحديد ما بعد الحرب الأهلية في لبنان بقي قطاع الكهرباء الجرح النازف في خاصرة الوطن استنزف موارد الدولة وكان له حصة الأسد في الديون التي تراكمت عبر السنين وتضاعفت نتيجة الاقتراض وعدم الاصلاح والفساد حتى بات يصح القول فيه مغارة علي وباسيل عنيت بهم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة منذ نهاية الحرب عام ١٩٨٩ حتى اليوم .

تقول السردية الشائعة ان دين لبنان تجاوز 100 مليار ليرة وان معظم هذا الدين كان سببه الكهرباء حيث انفقت الدولة نصف هذا المبلغ ليس لتطوير معامل الطاقة التي اصبحت قديمة العهد ولا يكفي انتاجها لتغطية الحاجة المحلية وانما لتمويل شراء الفيول، مع العلم انه على مر السنوات كانت هناك محاولات لاستبدال الفيول بالغاز ولكنها باءت بالفشل حيث بعدما تكبدت الحكومة آنذاك تكاليف انشاء محطة الطاقة في دير عمار والتي من الممكن تشغيلها على الغاز ولكننا عدنا الى الفيول لتعذر تأمين استجرار الغاز الى لبنان عبر سوريا اما بسبب الحرب هناك او لاسباب سياسية.

اضف الى ذلك ان كل المحاولات لايجاد الحلول كانت دائما تصطدم بحائط مصطنع من المشكلات التي لا تنتهي فبعد الحديث مرارا وتكرارا عن تشكيل هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء مستقلة عن الوزير تتشكل من مهندسين وخبراء مختصين مهمتها تأمين استقرار القطاع وديمومة الانتاج بمعزل عن الامور السياسية والمصالح الخاصة وتحضير الارضية لخصخصة القطاع بما يؤمن مدخولا للدولة وتطويرا للقطاع وخدمة للمواطن كانت النتيجة صدور القرار 462 سنة 2002 الا ان تشكيل هذه الهيئة كما كل الامور في لبنان خضع لمزاج السياسيين والاحزاب وليس للكفاءة والاهمية الاستراتيجية ولم يتمكن الاطراف من الاتفاق عليه، كما ان الوزراء المتعاقبين على الطاقة لم يوفروا جهدا في وضع العراقيل امام تشكيل هذه الهيئة حيث انها كانت ستضم كافة الطوائف ما يعني عدم تمكن جهة واحدة من السيطرة على القطاع لما لهذه الهيئة من صلاحية التحقق من نوعية الفيول ومواصفاته والكميات اللازمة، وذلك من باب الاستئثار بالقطاع والتحكم بكل ما يمكن ان يمنع الاستثمار فيه وعدم منح تراخيص للقطاع الخاص ليكون شريكا في الانتاج.

استبدلت الهيئة الناظمة في 2010 ب “خطة الكهرباء،” والتي ظلت تذكر في كل بيان وزاري دون التطرق الى مضمونها الفارغ اصلا، وكان مجلس الوزراء يعمد في كل موازنة الى اقرار ضرائب ورسوم جديدة بحجة تمويل عجز الكهرباء من جيوب المواطنين.

ان قطاع الكهرباء مع كل التعديات على الشبكات، حيث ان هناك مناطق باكملها لا تدفع قرشا للدولة، يعتبر من القطاعات الافضل جباية بالرغم من التأخر في تحصيل الفواتير لمدة سنة او يزيد في بعض المناطق وبالرغم من المبالغ الكبيرة المترتبة على مختلف وزارات الدولة والتي تصل الى عشر سنوات او اكثر فكان المفترض ان لا يتفاقم العجز بهذا الشكل، ولكن تكاليف استيراد الفيول المدعوم من الدولة على مر سنين طويلة والذي كان يهرب الى دولة شقيقة على مرأى من السياسيين حيث يباع بأضعاف كلفته لتحقيق ارباح تذهب الى جيوبهم الخاصة مما وضع عبئا كبيرا اضافيا على كاهل الدولة المنهكة اصلا بالدين.

فمثلا في العام 2019 ازدادت كميات الفيول المستورد الى لبنان حيث بلغت 5619 مليون طن مقارنة مع 1174 مليون طن في 2018 بحسب جداول وزارة الطاقة وكانت ساعات التقنين التي كانت تصل الى 20 ساعة يوميا على حالها اي ان استيراد كميات اضافية من الفيول لم يكن بهدف زيادة الانتاج وانما بهدف تحقيق ارباح على حساب الدولة اللبنانية.

هذا كله يضاف اليه الاتفاقيات التي ظاهرها منفعة الدولة والمستهلك وباطنها ارباح تذهب لجيوب الكارتيلات والمحسوبين .

كذلك الباخرتان فاطمة غول واورهان بيه اللتان استقدمتا الى لبنان لاسناد معامل الطاقة عبر شركة كارادينيز التركية وكان العقد لمدة سنتين ولكنها بقيت لمدة ثمانية سنوات مع ما رافق وجودهما من حديث عن صفقات وسمسرات وكثير من الشكوك والصراعات السياسية انتهت على خلاف ما كان مقرراً، اذ كان يُفترض أن تُغادرا لبنان بعد 3 سنوات، وتتركان خلفهما كهرباء 24 على 24، غادرتا والتغذية لا تتخطى ساعة على 24، وانتهى الحال بانسحابهما بسبب نوعية الفيول الغير متناسبة مع معاملهما.

ناهيك عن الفترة التي بقي فيها مصرف لبنان يؤمن الدعم لتغطية الفروقات في سعر الصرف لمستوردي المحروقات(كارتيل النفط) ومرة أخرى استفاد التجار على حساب الدولة والمواطن حيث اثبتت البيانات المالية لشركة كورال مثلا المسجلة في بورصة لندن التضخم الكبير في الارباح خلال سنوات الدعم.ومع ان تعرفة الكهرباء زادت اضعافا مضاعفة نسبة الى سعر الصرف الجديد للدولار بعد الانهيار الاقتصادي الا ان ذلك لم يؤثر ايجابا على ساعات التغذية بل على العكس مرت اشهر لم تكن الكهرباء متوفرة حتى ان انقطاع التيار اثر على قطاعات حيوية في الدولة خلال فترات متقطعة مثل المطار والمستشفيات الحكومية ومراكز الاتصالات ولم يكن البديل متوفرا احيانا..

اما اصحاب المولدات الخاصة الغير شرعية اصلا والغير مرخصة من الدولة، والتي يفتقر وجودها الى ابسط قواعد الامان والصحة، مع ما يستدعي من خطر تخزين المازوت بين المباني السكنية، فأصبح وجودها على مر السنين امرا واقعا وهي لطالما احدثت اضرارا بيئية وحوادث مميتة كان آخرها ما حصل في منطقة الميناء منذ اقل من شهر حيث ادى حريق في احد المولدات الى انهيار مبنى ووفاة عنصرين من الدفاع المدني اثناء تأديتهما لواجبهما الانساني، ومع ذلك اصبح اصدار تعرفة من المحافظ مطلع كل شهر وكأنه شرعنة لوجودها وانصراف للدولة عن تأمين ما يلزم لمواطنيها وكأنه لا يكفي المواطن ما يتكبده من غلاء المعيشة والفاتورة الصحية والتعليمية وغيرها من نواحي حياته اليومية في ظل ازمة اقتصادية خانقة.

فلماذا تعجز الدولة عن تأمين ما يسد حاجة الشعب ولماذا تعجز الدولة عن محاسبة المتخلفين عن الدفع والمتعدين على الشبكات في حين يقوم هؤلاء بجباية شهرية ويحمون شبكاتهم الخاصة من التعديات من دون ان يتكلفوا اي قرش فلا ضرائب مفروضة عليهم لان هذا القطاع غير موجود وغير قانوني ولا تحكمهم اية اصول شرعية او قانونية، ولا زلنا في جمهورية الموز نبحث عن ما يسد رمقنا او يؤمن ولو نصف حاجاتنا من الكهرباء مع ان الدراسات والمشاريع كثيرة في هذا المجال وكلفتها لا تقارن بما تتكلفه الدولة حاليا.

واذكر على سبيل المثال لا الحصر دراسة واعدة اعدها في سنة 2015 العقيد المهندس جورج الجمل ونشرت انذاك في العدد 360 من مجلة الجيش والتي تظهر مدى ملاءة لبنان على انتاج الكهرباء من مصادر متعددة اقل كلفة من المعامل الحرارية وتقوم على الطاقة البديلة النظيفة الصديقة للبيئة كالطاقة الشمسية اذ لدى لبنان ما يقارب 300 يوم مشمـس في السنة، والطاقة الكهرومائية حيث يستفيد لبنان من كمية متساقطات تقدر سنويًا بـ750 ملم من الأمطار والثلوج, حيث يتم استغلال 20٪ فقط منها بشكل مفيد لإنتاج الطاقة، والطاقة الهوائية ففي «الأطلس الوطني للرياح في لبنان (national wind Atlas of Lebanon) تظهر نتائج إيجابية للغاية وخصوصًا في اليابسة، وخلصت الدراسة الى:

1- تكلفة إنتاج منافسة جدا لسعر إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان الذي هو أصلا تحت مستوى التكلفة.

2- توليد الطاقة الكهربائية وتخزينها مع التحكم بالتوليد وفق الحاجة.

3- توفير أحد أهم الحلول لمشكلة النقص الحاصل في إنتاج الكهرباء خصوصًا في ساعات الذروة في لبنان.

4- كفاءة طاقة مرتفعة تراوح ما بين 50٪ و60٪.

5- تحقيق إنخفاض في انبعاثات غاز CO2 الذي يعمل على زيادة الاحتباس الحراري.

وهذه نتائج يبنى عليها لتحسين واقع الكهرباء وحل مشاكل الطاقة في لبنان وهي من المشاريع التي يمكن التوسع بها وطلب تمويل على أساسها من دول صديقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى