خاص الفجر الجديدطرابلسلبنان

عمالة الأطفال في لبنان: براءة مسروقة وأزمة تتجاوز الفقر

في هذا العالم الرحيب المتباهي بحضارة الذكاء الاصطناعي وفي وجود عدد كبير من المنظمات والجمعيات العالمية والمحلية التي تعنى بأمور الاطفال والطفولة هناك احلام تقتل كل يوم تحت انقاض البيوت المهدمة بسبب الحروب المدمرة وفي زوايا الخيم التي لا تحمي لا من البرد ولا من الحر، العشرات من الاطفال كل يوم يصبحون وحيدين دون معيل، المئات من الاطفال يولدون ومعهم الجوع يواجهون الموت من لحظة حياتهم، يتألمون بعيون مفتوحة لا يقوون حتى على الصراخ، اجسادهم الغضة الطرية  تنوء بأثقال لم تخلق اجسادهم لها، الآلاف تختطف كل يوم براءتهم، يدفعهم الجوع الى مواجهة الحياة قبل اوانهم الى البحث عن ما يسد رمقهم ويعيدهم الى الحياة فالانسان مفطور على حب الحياة والدفاع عن الوجود مهما كبر او صغر.

يشكل الأطفال اصغر من 15 سنة حوالي 26% من سكان العالم (نحو 2 مليار طفل). 

تشير تقديرات منظمة العمل الدولية واليونيسف إلى أن حوالي 160 مليون طفل (ما بين 5 و17 سنة) كانوا ضحايا لعمالة الأطفال في بداية عام 2020، منهم 79 مليونًا في أعمال خطرة.

كما تشير الاحصاءات نفسها  الى ان  فئة الأطفال دون 18 سنة  في لبنان نسبة كبيرة ومهمة من السكان، لكنها تشهد تراجعا تدريجيا، وفقا لأحدث البيانات المتاحة بلغت النسبة الإجمالية (تشمل اللبنانيين واللاجئين السوريين والفلسطنيين) حوالي 33% من إجمالي سكان لبنان اما اللبنانيين فقط فهم  يشكلون حوالي 25% من إجمالي السكان اي حوالي 1.25 مليون طفل من أصل حوالي 5 مليون نسمة إجمالي السكان المقدر،

ان نسبة عمالة الاطفال (7- 15 سنة) ما بين 2022 و2024 في لبنان وبعض الدول المجاورة التي تعاني حروبا وازمات اقتصادية واجتماعية هي كالتالي:  

 في لبنان بلغت النسبة 12%  بسبب سوء الاوضاع المعيشية والضائقة الاقتصادية التي عمقت معاناة الأطفال في لبنان بشكل كبير  منذ 2019 حيث تشير تقارير اليونيسف إلى أن:

حوالي 40% من الأطفال اللبنانيين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد. 

في سوريا 22% اي ما يقارب مليون طفل يعملون في الزراعة والبناء، كما يعانون فقرا رهيبا 

في غزة ارتفعت من 9% الى 35% بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة منذ ما يقارب السنتين

في السودان بلغت النسبة 38% بسبب الحرب الاهلية، والجوع والعطش اي ما يعادل 4 ملايين طفل. 

في اليمن 34% اي ما يعادل مليون طفل بسبب تفشي المجاعة كما تجبر 46% من الفتيات على العمل المنزلي غير المدفوع.

بينما تبلغ هذه النسلة 1.7%في اوروبا معظمهم من الاطفال المهاجرين و0.7% في اميركا معظمهم ايضا من المهاجرين غير الشرعيين يعملون في الزراعة والخدمات  والتسول المنظم وصناعة الجنس.

هذه البيانات تظهر ان الأزمات الإنسانية والاقتصادية هي المحرك الأكبر لعمالة الأطفال التي تهدد حقوق الأطفال الأساسية في التعليم والصحة واللعب والنمو في بيئة آمنة.

للوقوف على موضوع عمالة الاطفال في لبنان عامة وطرابلس خصوصا والحلول الموجودة والمتوقعة لمعالجة هذة المشكلة الاجتماعية الخطرة التقت الفجر الجديد الدكتورة ماجدة شعراني وهي دكتورة مختصة بالتربية وهي محاضرة في عدة جامعات وصاحبة مركز ماجدة شعراني العيادي التربوي الذي يعنى بالاطفال ذوي الصعوبات التعلمية وبمختلف مجالات التربية والتوجيه المهني، وقد اجابت على السؤال التالي: 

الى اي مدى تسهم المؤسسات الاجتماعية في الحد من عمالة الاطفال؟ وهل هناك حلول واقعية لمشكلة التسرب المدرسي في ظل غياب التشريعات اللازمة وتراجع المساعدات الرسمية والأممية؟  

في لبنان، لم تعد الطفولة بمعناها البريء مشهدًا مألوفًا في شوارع المدن، لا سيّما في طرابلس، حيث تُعد عمالة الأطفال من أبرز ملامح الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. فقد أظهرت تقديرات اليونيسف لعام 2023 أن 15% من الأسر اللبنانية أرسلت طفلاً واحدًا على الأقل إلى سوق العمل، مقارنة بـ12% في عام 2021. ويُعزى هذا الارتفاع إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أواخر عام 2019، وما رافقها من انهيار في الخدمات الأساسية وتدهور حاد في قيمة الليرة اللبنانية . وتُعتبر طرابلس من أكثر المناطق تأثّرًا بهذه الأزمة، إذ تُسجّل فيها أعلى معدلات الفقر في لبنان، حيث يعيش أكثر من 70% من السكان تحت خط الفقر، وفقًا لتقارير البنك الدولي .

هذا الواقع المأزوم انعكس بوضوح على واقع الطفولة والتعليم. فمع تآكل قدرة الدولة على توفير الحماية الاجتماعية، وغياب التشريعات الرادعة، تجد آلاف الأسر نفسها مضطرة إلى إخراج أطفالها من المدرسة ودفعهم إلى العمل لتأمين الحد الأدنى من مقومات العيش. كثير من هؤلاء الأطفال يعملون في مهن شاقة أو خطرة، كالميكانيك والنجارة، أو حتى في الأنشطة الهامشية التي تلتهم كرامتهم، كالتسوّل أو البيع في الشوارع ، في ظل غياب حماية قانونية فعّالة أو مساعدات منتظمة من الدولة.

وهكذا، يتحوّل الأطفال إلى ضحايا أبرياء لأزمة لم يصنعوها، ويُجبرون على أدوار تفوق أعمارهم وتسرق طفولتهم قبل أوانها. إنهم يُحرمون من حقهم في اللعب، في التعلم، وفي الأمان، ليحملوا على أكتافهم أعباء مجتمع عاجز عن حمايتهم.

وفي مواجهة هذا الواقع، تحاول المؤسسات الاجتماعية، بما فيها الجمعيات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، التخفيف من حدة الأزمة عبر توفير برامج الدعم النفسي والتربوي، وفتح مدارس بديلة، وتقديم مساعدات عينية أو غذائية للأسر، غير أن هذه المبادرات، رغم قيمتها، تبقى محدودة الأثر ما لم تُدعَم بسياسة وطنية شاملة، تُعالج جذور الأزمة، وتعيد للطفل مكانته الطبيعية في المدرسة، لا في سوق العمل.

الحل لا يكمن في التبرعات والمساعدات الطارئة وحدها، بل في استثمار طويل الأمد في التعليم الرسمي، وتعزيز الوصول المجاني إليه في المناطق المهمّشة. كما ينبغي إقرار قوانين صارمة تُجرّم عمالة الأطفال، وتُلزم بمحاسبة الجهات التي تستغلهم، إلى جانب برامج دعم اجتماعي فعّالة تستهدف الأسر الأكثر هشاشة، بشرط إبقاء الأطفال في مقاعد الدراسة. أما تفعيل الشراكة بين الدولة والمنظمات الدولية، فيُعد شرطًا أساسيًا لضمان الاستمرارية والتمويل.

فلا يمكن لبلد أن ينهض بينما أطفاله يجرّون عربات، أو يعملون تحت أشعة الشمس، بدل أن يحملوا حقائبهم ويذهبوا إلى مدارسهم. إنقاذ الطفولة اليوم ليس ترفًا ولا شعارًا إنسانيًا جميلًا، بل أولوية وطنية.

إن معالجة عمالة الأطفال لا تتطلب حسن النية فحسب، بل إرادة سياسية حازمة، وشراكة مجتمعية واسعة، واستثمارا طويل الأمد في الإنسان. فهؤلاء الأطفال ليسوا مجرد ضحايا لأزمة لم يختاروها، بل هم مستقبل وطن بأكمله، وركيزته الأكثر صدقًا وإنسانية.

الطفولة اليوم ليست مرحلة، واليوم العالمي لمكافحة عمالة الاطفال هو تذكير قوي بأن عمالة الأطفال ليست قدرا محتوما، بل هي مشكلة من صنع الإنسان يمكن ويجب القضاء عليها من خلال الإرادة السياسية المناسبة والعمل والوعي الجماعي لحماية الاطفال.

انهم امل المستقبل لاستمرار البشرية واعمار الدول من حقهم ان ينشأوا في بيئة آمنة سليمة، من حقهم ان ينعموا بالامان من حقهم ان يعيشوا طفولتهم وان يحصلوا على التعليم الاساسي الذي من شأنه انقاذهم  من الاستغلال،  ليكونوا اكفاء قادرين على الاعتماد على انفسهم  عندما يكبرون، من حق اطفال غزة والسودان واليمن ولبنان ان يحلموا بغد مشرق وان يأخذوا حقهم من الرعاية والعلم والمأكل والملبس والصحة.

هؤلاء اطفال كغيرهم من اطفال العالم وحقوقهم امانة في اعناق كل العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى