الفجر الجديدخاص الفجر الجديد

دولرة الاقتصاد



بقلم ا. نعمات اكومي

منذ سنة 1997 قامت الدولة بربط العملة اللبنانية بالدولار الأميركي وثبتت سعر الصرف عند عتبة 1507 ليرات كسعر وسطي وكان مصرف لبنان يتدخل دائماً عند حصول اي ارتفاع في السوق الموازية للحفاظ على سعر الصرف المعتمد وقد أدى ذلك الى استقرار اقتصادي وهمي في لبنان على مدى سنوات طويلة حيث أن الحكومات المتعاقبة كانت غالبا ما تعمد الى الاستدانة من مصرف لبنان لتغطية عجز موازناتها ونفقاتها هذا عدا عن الديون الخارجية التي تنامت من 3 مليار دولار عام 1997 الى أكثر من 90مليار في نهاية 2019 مع غياب أي خطة اقتصادية أو انمائية وارتفاع الهدر والانفاق العشوائي والفساد.
أن أحد أبرز وجوه الفساد هو عجز مؤسسة كهرباء لبنان واضطرار الدولة الى شراء الفيول لتشغيل المعامل وغياب اي خطة لتطوير وزيادة الانتاج دون التفكير في حل جذري مع كثرة الحلول المقترحة داخلياً وخارجياً.
أضف الى ذلك القطاع العام المتهالك الذي يعاني ليس من تخمة في عدد الموظفين بل من غياب معايير التوظيف المعتمدة أصولا فقد أدى التوظيف العشوائي الى شغور كبير في ملاك الادارات والمؤسسات العامة والهيئات الرقابية حيث بلغ الشغور نسبة 55.9 في المؤسسات العامة و 71.7 في الادارات العامة وفقاً لاحصاءات مجلس الخدمة المدنية 2022 مع كثرة عدد الموظفين الفعليين الغير مؤهلين للخدمة. وقد يكون هذا الشغور هو السبب أولا في غياب الرقابة على الموظفين والسبب أيضاً في التهرب الضريبي حيث عدد الموظفين لا يكفي لاحصاء كافة المؤسسات والافراد وتكليفهم كما أنه السبب في غياب المحاسبة بسبب الشغور في الملاك القضائي وغياب الرقابة الاقتصادية حيث عدد المفتشين غير كافي
وهناك أيضاً أعداد المتقاعدين من الخدمة والذين يتقاضون رواتب شهرية.
كذلك الكلفة العالية لتشغيل القطاع العام بسبب الميزانيات المبالغ فيها للوزارات والادارات وايجارات العقارات التي تشغلها المدارس الرسمية وبعض الوزارات و الهدرفي ما يخص عمليات الشراء والعقود.
ولا يجب أن ننسى الدعم الذي كانت تقدمه الدولة للقمح والأدوية والطبابة والمحروقات والذي كان يكلف الدولة مبالغ طائلة كانت تغطيها عبر الاستدانة داخليا وخارجيا.
كل ذلك أدى الى تعاظم الدين العام وانهيار الاقتصاد ووصول الدولة الى مرحلة لم تعد قادرة على الايفاء بالتزاماتها حيث توقفت عن سداد دورة سندات ديونها من اليورو بوند لأول مرة في آذار 2020 والتي كانت تبلغ حينها 1.2 مليار دولار وذلك على خلفية تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية الى مستوى مقلق وخطير بسبب قيام كبار المتمولين بسحب أموالهم وتهريبها الى خارج لبنان وبغياب اي دعم خارجي جديد وعدم قدرة مصرف لبنان بالتالي على توفير المزيد من السيولة لدعم الدولة مما اضطره الى طباعة المزيد من العملة لتغطية الزيادات في الرواتب وكلف التشغيل اي زيادة الكتلة النقدية.
كذلك لم يعد مصرف لبنان قادرا على التدخل لتثبيت سعر الصرف وارتفع سعر الدولار بشكل جنوني ادى الى فقدان الليرة أكثر من 93% من قيمتها وارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير وأدى ذلك الى التضخم الاستهلاكي والذي بلغ 84.9% سنة 2020 و144.22% سنة 2021 و 171.2% سنة 2022 و221.3% سنة 2023 وقد كانت ذروة التضخم خلال شهري آذار ونيسان بعد أن طبق سعر صرف 15000 ليرة للدولار في مصرف لبنان ثم عادت النسبة لتتراجع تدريجيا اواخر العام على خلفية الغاء منصة صيرفة واعتماد سعر صرف السوق الموازية 89500 ليرة ودولرة كافة معاملات الدولة وقد ساعد استقرار سعر صرف الدولار في السوق الموازية الى تراجع نسبة التضخم أواخر العام المنصرم.
لعل احد أبرز أضرار التضخم هو فقدان القدرة الشرائية وبالتالي انخفاض الاستهلاك بالنسبة للافراد وتفاقم هشاشة الظروف المعيشية للفئات الأشد فقرًا والأكثر احتياجاً من السكان وانخفاض عائدات الاستثمار بالنسبة للمستثمرين.
بحسب البنك الدولي ان الاقتصاد اللبناني لا زال يعاني ضعفاً كبيراً وكان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 0.2% في 2023 بسبب نمو الاستهلاك الناتج عن موسم سياحي صيفي قوي وتدفق كبير في التحويلات المالية وزيادة دولرة الرواتب الا أنه من المتوقع عودة الاقتصاد الى الانكماش بالرغم من التأثير الايجابي لقطاع السياحة إلا أنه ليس البديل عن خطة اقتصادية انمائية شاملة تساعد البلاد على تحمل الصدمات واعادة اقتصادها الى المسار الصحيح القوي وبالرغم من أن التحويلات أدت الى زيادة طفيفة في الاستهلاك المحلي ألا أنها لا تغطي حاجة لبنان من التمويل الخارجي بغياب اي مصدر تمويل خارجي آخر
أضف الى ذلك تأثير المواجهات العسكرية في جنوب لبنان منذ ثلاثة أشهر حتى اليوم و التي يمكن أن يمكن أن تنعكس انكماشاً بنسبة 0.6% ألى 0.9% خلال العام الجاري بسبب التأثير السلبي على القطاع السياحي
إن الحل لعودة الاستقرار المالي والاقتصادي يكون أولا بعودة الاستقرار السياسي المتمثل بانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم اصلاح القطاع العام عن طريق تفعيل الرقابة الادارية واجراء تقييم لكافة الموظفين وابقاء من تتوفر فيهم الشروط الوظيفية اللازمة واصلاح السياسات النقدية والمالية لاعادة الثقة بالقطاع المصرفي واعداد خطة اقتصادية انتاجية بالدرجة الأولى تعتمد على دعم الزراعة والصناعة والتكنولوجيا وتنويع الاستثمارات لنصل الى ميزان تجاري ايجابي وبالدرجة الثانية على السياحة والخدمات وتعزيز العلاقات مع دول الجوار التي تعد شريكا تجاريا اساسيا والتوجه نحو اسواق جديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى