الفجر الجديدخاص الفجر الجديد

ازدواجية المعايير الغربية بين غزة و اوكرانيا وانعكاساتها المستقبلية


بقلم رئيس التحرير: زياد علوش

إذا ما اخذنا عينة من التصريحات والتعابير والمصطلحات والمفارقات السياسية والاعلامية الغربية المتناقضة في توصيف حالتي الحرب على اوكرانيا وغزة فإننا نخلص الى ازدواجية “نفاق” واضحة في الاقوال والافعال والتوصيفات والألتزامات وبالتالي العالم امام مشهدية سوريالية لما يسمى النظام العالمي،وقد تجلت صورته القبيحة في اروقة مجلس الامن في استباحة كلية لكل المعايير القانونية والاخلاقية والانسانية،عندما كانت الغلبة لمنطق استمرار الحرب والمجاذر فرضتها بمداولاتها قلة منبوذة عالمياً وانسانياً لكنها كانت مؤثرة بشكل ساحق بناء على متطلبات الواقع الدولي القاصر بفعل احقية الفيتو لقلة متمكنة من السلطة والثروة.
ومع اختلاف الواقع البنيوي بين اوكرانيا وفلسطين وبغض النظر عن فارق الدمار والضحايا والارتكابات في الزمان والمكان،حيث الثانية محتلة منذ ما يدنو من القرن بمندرجاته السادية الا ان البلدين يعانيان من فرض وقائع بالقوة على حساب الحق القانوني والانساني وبشيئ من التفصيل،منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير2022 انتفضت امريكا ومعها الغرب لدعم كييف بالمال والسلاح والسياسة والدبلوماسية والاعلام ودفعت مجمل المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية الإغاثية والقانونية والانسانية لمناصرة اوكرانيا وتقديم الدعم لها وبسرعة كبيرة ادانت المحاكم الدولية روسيا ورئيسها بوتين وذرف ساسة الغرب دموعهم بغزارة على مدني واعيان اوكرانيا بفعل ما اسموه بالهمجية الروسية وبوتين شخصياً.
في المقابل فلسطين يحتلها الصهاينة منذ 76 سنة ويرتكبون مختلف الجرائم والمجازر برعاية ودعم هذا الغرب المنافق،وفي (7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 م)تاريخ طوفان الاقصى اخترقت المقاومة الفلسطينية بعملية دقيقة لساعات جدران الفصل العنصري التي اقامتها اسرائيل في غلاف غزة وهي التي تمعن في حصارها منذ عشرات السنين،لقد كان اختراق المقاومة اياه فعل امني وعسكري بهدف مقايضة الاسرى لدى الطرفين وقد سد الاحتلال كل الخيارات الاخرى مقيد بضوابط المقاومة واخلاقها التي تبدت للعلن في كيفية معاملتها للاسرى على اللسنة المفرج عنهم وامام كاميرات الصحفيين ضد الاحتلال بعسكرييه ومستوطينية استغلته تل ابيب لبث الكثير من الاكاذيب حول ارتكابات لا انسانية تبين فيما بعد وحسب تحقيقات صحفية اسرائيلية انها تمت بأيدي الجيش الاسرائيلي نفسه،من اجل التحريض الدولي لاستغلال اللحظة وتطبيق خطط الابادة والتهجير المبيتة.
في اول رد فعل امريكي غربي على اساس ان القتل مسألة “جمالية”عنصرية،تقاطرت مجمل الطبقة السياسية الغربية الى تل ابيب واعلنت صهينتها وتبنيها لرواية نتنياهو الكاذبة ودعمها المطلق لما اسمته حق الاستيطان في الدفاع عن احتلاله وادانت بكل اللغات همجية المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية محاولة دعشنتها بغرض ذبحها وتبرير المجاذر الاسرائيلية لاحقاً،في ابادة غزة وتهجير الضفة وتغيير الوقائع في القدس بشكل نهائي.
منذ اكثر من 130 يوماً تشن اسرائيل عدوان اجرامي على غزة ذهب ضحيته اكثر من 100 الف بين شهيد وجريح ومفقود جلهم من النساء والاطفال،ناهيك عن التدمير الكلي وشبه الكلي لكل ما هو قائم فوق الارض ورغم صرخات محكمة العدل الدولية في وجه اسرائيل كمتهمة بشكل لا يلبث الشك بالجرائم بحق الانسانية في غزة وقبلها صرخة المنظمات الحقوقية والانسانية والاغاثية على راسها الامين العام “انطونيو غوتيريش”،ردت اسرائيل بالمزيد من ارتكاب المجاذر،ولا يزال الناطقين الرسميين بإسم الابيض يرفضون وقف لإطلاق النار ويبررون ارتكابات تل ابيب ويتفهمون حاجتها الامنية المقدسة فوق كل اعتبار وتعطش “بنغفير-سموتريتش” للدماء ولا يرون دليلاً ملموساً على تلك الجرائم والمجاذر في تصريحات مستفزة للحد الادنى من المنطقية الاخلاقية والسياسية،فضلاً عن جولات الوزير “بلينكن”الشرق اوسطية لشراء المزيد من الوقت كي تستكمل اسرائيل مجاذرها والعمل على الاستفراد بغزة وإحكام الحصار عليها بحجة الحؤول دون تمدد الصراع وقد بلغ البحر الاحمر حيث تتغاضى واشنطن عن جذر المشكلة وتتلهى بالفروع معتبرة ان استهداف الحوثيين للسفن المتجهة الى اسرائيل والذين ربطوا رد فعلهم بما يجري من استباحة انسانية وإغاثية في غزة،عمل غير قانوني يستدعي تحالفاً دولياً للرد،واعلى ما وصلت اليه سقوف واشنطن تجاه تل ابيب هو التمني بخفض عدد الضحايا الفلسطينيين ليس إلا!!!
الازدواجية الغربية هذة اطاحت بكل المقاربات الغربية في الشرق الاوسط المتعلقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بحيث انها من الان وصاعداً اصبح الحديث عنها مقترناً بالنفاق وبشيئ من التعلم بالفعل المنعكس الشرطي الذي يصبح نهاية الامر بمثابة الايعاز في حالة عبر عنها القرآن الكريم باوضح الصور والمعاني في قوله تعالى: قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف-17]. ” تَلَطُّف عَظِيم فِي تَقْرِير مَا يُحَاوِلُونَهُ يَقُولُونَ وَنَحْنُ نَعْلَم أَنَّك لَا تُصَدِّقنَا وَالْحَالَة هَذِهِ لَوْ كُنَّا عِنْدك صَادِقِينَ فَكَيْف وَأَنْتَ تَتَّهِمنَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّك خَشِيت أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْب فَأَكَلَهُ الذِّئْب فَأَنْتَ مَعْذُور فِي تَكْذِيبك لَنَا لِغَرَابَةِ مَا وَقَعَ وَعَجِيب مَا اِتَّفَقَ لَنَا فِي أَمَرْنَا هَذَا.
“وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ” (يوسف-18).
عندما تفردت واشنطن برعاية مسار اوسلو ادرك العرب والمسلمون انهم اوكلوا قضيتهم المركزية للخل الوفي يحرس اسوارها بالقضم التدريجي لصالح الاحتلال الصهيوني.
عند مقارنة الموقفين الامريكي والغربي بشكل عام بين القضيتين الفلسطينية والاوكرانية تتضح الفضيحة المدوية بإنعكاساتها ليس فقط على العلاقة الغربية والعربية والاسلامية في الوعي العميق بل على مجمل النظام العالمي السائد بحيث تجب مقاربات اكثر عدالة وتمكيناً خصوصاً لمنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن ليكون اكثر فاعلية في تحقيق مضمون انشائه في حفظ الامن والسلام الدوليين على ان المقاربة الاهم تكمن في كيفية ايجاد العرب والمسلمين مساراً اكثر فاعلية في الفضاء الدولي خصوصاً عندما يواجهون تحدياً كالذي يحدث في غزة رغم قدراتهم البشرية والمادية الكامنة التي لو فعلت لرفعتهم لمستوى الدولة العظمى ما لم تكن الاعظم.
بعض المحللين يرون بوادر تغييير بالموقف الامريكي يقوده ثنائي الخارجية والدفاع ” أنتوني بلينكن – لويد أوستن” والملحق الاوروبي عبر  مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد “جوزيب بوريل” ويعيدونها لاسباب موضوعية منها اصرار “الدوحة” على اقحام التفاوض كمسار بديل يفضي لوقف اطلاق النار تحت عنوان الهدن الانسانية يستند الى صمود غزة شعباً ومقاومة واعلام وحاجة “بايدن” لانجاز يقدمه للشعب الامريكي على ابواب الانتخابات الرئاسية وقد اظهرت استطلاعات الراي تخلفه بشكل كبير نتيجة دعمه المجازر الاسرائيلية والوعي الذي احدثته غزة في اذهان الامريكيين والاوروبيين الذين يحاولون ولو متأخرين الإبتعاد عن وصمة عار الإبادة التي ترتكبها اسرائيل بدعم من حكوماتهم.
وعندما نمد بصرنا كمحللين الى الزمن القادم نجد انه لأول مرة تضحي اسرائيل في حربها مع الفلسطينيين بالاستراتيجيا من اجل انتصارات تكتيكية وعملياتية محدودة  خدمة لمصلحة نتنياهو السياسية الشخصية،اشار الى تآكلها اكثر من مسؤول اسرائيلي بفعل غموض اليوم التالي،ساعد في ذلك ان اسرائيل يقودها متطرفون حمقى متعطشون للدماء،يعبرون عن المخزون العنصري للمجتمع الصهيوني،وفي المقابل انه ورغم قساوة المعركة كان آداء المقاومة الفلسطينية مهنياً بإمتياز فيما بدا انه تبادل تاريخي للادوار بين العرب والاسرائيليين وقد عبر عن ذلك “يوسي كوهين” رئيس الموساد السابق في “هآرتس” تحت عنوان “الخطر الكبير” قائلاً:في ٧ اكتوبر حصلنا على دعم العالم “الحر” وأتى جميع اصدقائنا إلى تل ابيب،لو كان في إسرائيل قيادة سياسية على حجم الحدث لكنا اليوم جزء من تحالف دولي ضد الأرهاب و كنا قد استطعنا من اخراج حماس من غزة و كنا قد اعدنا حزب الله إلى ما وراء الليطاني،ان التهور المسعور لبيبي و غانتس قد حولنا في نظر العالم إلى مجرمي حرب وقتلة الأطفال،اليوم و بعد ثمانون يوماً من الاخطاء و التقديرات الغير مدروسة تجد دولة إسرائيل لأول مرة منذ ال ٤٨ في صراع الوجود واللاوجود،إذا استمر هذا الفريق في قيادتنا فنحن عائدون إلى بولندا و روسيا و بريطانيا و امريكا  ذلك إذا سمحوا لنا بالعودة.
“بيبي” يغرق و يأخذنا معه إلى الهلاك،لا زال يراهن على جر  أمريكا إلى هذة المعركة وهذا رهانه الأخير،لا احد في قيادة الجيش ولا في قيادة الأجهزة الامنية لديه البأس الكافي ليطلعكم على مدى هشاشة موقفنا على الجبهات.
الوقت لم يمضي على تدارك الموقف و لكن على القيادة السياسية ان تأخذ فوراً قرارات صعبة و مريرة تبدأ بالوقف الفوري للحرب وان تتحمل الثمن اليوم وإلا  سوف يتحمل جميع بني اسرائيل الثمن و لن يبقى من حلم الدولة اليهودية إلا احاديث الذكريات و نحن نحتسي القهوة على قارعة الطريق في اوروبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى